الفِتَنُ
خطبة جمعة لفضيلة الشَّيخ الدكتور:
محمَّد بن هادي المدخلي -حفظه الله-
حفظه الله تعالى ورعاه، وثبته على الإسلام والسنة، وجزاه عنا خير الجزاءألقاها فضيلته في جامع إسكان الأمير محمد بن ناصر آل سعود
بحيّ السويس بمدينة جازانوذلك يوم الجمعة 19 ربيع الأوَّل 1439هـ
أسألُ الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها الجميع
لتحميل الصَّوتيَّة: مِنْ هُنَا
خطبة جمعة لفضيلة الشَّيخ الدكتور:
محمَّد بن هادي المدخلي -حفظه الله-
حفظه الله تعالى ورعاه، وثبته على الإسلام والسنة، وجزاه عنا خير الجزاءألقاها فضيلته في جامع إسكان الأمير محمد بن ناصر آل سعود
بحيّ السويس بمدينة جازانوذلك يوم الجمعة 19 ربيع الأوَّل 1439هـ
أسألُ الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها الجميع
لتحميل الصَّوتيَّة: مِنْ هُنَا
http://www.tasfiatarbia.org/vb/attachment.php?attachmentid=4778&d=1512811958
التَّفريغ:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، والقائل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
وأُصلِّي وأُسلِّم على خيرته من خلقه نبينا محمد -- القائل: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:فيا أيها الناس:
اتقوا الله حقَّ التقوى، واعلموا أنَّكم في هذه الدار ماكثون قليلا ومُنتقلون إلى ربكم تبارك وتعالى، فنحن وإيَّاكم ما بين مُكرَّم سعيد، وما بين مُوبَّخ ومُحقَّر ومُذلَّل في نار الوعيد، عياذا بالله من ذلك.أيها المؤمنون:
إنكم -كما تعلمون- آخر الأمم كما أخبر النبي --، ومع كونكم آخر الأمم فأنتم أشرف الأمم وأكرمها على الله جل وعلا، وذلك لشرف نبيكم --، فهو (سيّد ولد آدم ولا فخر) كما قال -عليه الصلاة والسلام-، هو أوَّل شافع وأول مُشفَّع، وهو أول من يستفتح الجنة ويدخلها -عليه الصلاة والسلام-.أيها الناس:
إنكم في آخر الزمان، وقد أخبركم نبيكم -- بكثرة الفتن في آخر الزمان كما سمعتم في الحديث السابق: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا)، اختلافٌ كثيرٌ في العقائد، واختلافٌ كثيرٌ في الطرائق والمناهج، واختلافٌ كثيرٌ في الآراء والأفكار والمذاهب، فِتنٌ متلاطمةٌ تتلاطم كما يتلاطم موجُ البحر، فِتنٌ يُرقِّق بعضها بعضا، تجعل الحليم حيرانا، وكما قال -عليه الصلاة والسلام-: (يُصبح الرجل فيها مؤمنا ويُمسي كافرا، ويُمسي مؤمنا ويُصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا).
أيها المؤمنون:
إنَّكم ترون وتُلاحظون مَن فتح علينا معشر المسلمين مِن أبواب الفتن والعياذ بالله، فتنٌ بالشبهات وفتنٌ بالشهوات، أما الشبهات: فالتلبيس على الناس في دين الله تبارك وتعالى، تعدَّدت الأهواء، وكثُر الدعاة إليها لا كثَّرهم الله، حرَفوا كثيرا من الناس عن جادَّة الصواب، والله سبحانه وتعالى قد أنزل لهم المخرج صريحا في هذا الكتاب وذلك في قوله جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سبيله ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ صراط الله المستقيم هو الذي بعث الله به نبيه الكريم وأنزل عليه به كتابه العظيم ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَصِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾.
أيها المؤمنون:
قد نصح لنا نبيّنا -عليه الصلاة والسلام-، وأبان لنا المخرج في تفسيره لهذه الآية العظيمة التي هي في آخر سورة الأنعام؛ حيث تلاها وخطَّ خطا مستقيما طويلا وعلى جَنَبَتَيْه خطوط متعددة، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: (هذا صراطُ اللهِ المستقيم، وهذه هي السبل).
أيها المؤمنون:
داعٍ إلى الشرك طالعٌ علينا برأسه! داعٍ إلى حرية الاعتقاد -كما زعموا قبحهم الله- أطلع علينا رأسه القبيح وأطلق لسانه البذيء في هذه الأيام.
دعوى الحرية الشخصية دعوًى خبيثة، إنَّ الحرية يا عباد الله لها حدود جاء بها الشَّرع، فما أباح لك فيه الاختيار فأمره عائد إليك، وما لا يجوز لك فليس لك فيه إلا الاتِّباع والاقتداء بهذا النبي --، فالإنسان مُخيّر في أشياء ومُسيَّر في أشياء، والله سبحانه وتعالى هو الذي اختار لعباده ما يصلح لهم ويُصلِح لهم دنياهم ويُصلِح لهم أخراهم.فما علينا معشر الإخوة إلا الاتّباع، والحذر الحذر من اتّباع هذه الدعوات الباطلة الضالة المُضلّلة، إنه ما اتّبعها من اتّبعها إلا بسبب ضعف اليقين وقلَّة العلم بما جاء عن رب العالمين وجاء به رسوله الكريم --.(إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشديين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وصحَّت زيادة عنه -- عند النسائي وغيره بإسناد صحيح : (وكل ضلالة في النار).
معشر المسلمين:
هكذا قال نبيكم --، إذا نزلت الفتن وطبَّق الخلافُ الأرض فإنَّ المخرج يا عباد الله إنما هو في التمسك فيما جاء به -صلوات الله وسلامه عليه-، وما جاء به مِن بعده خلفاؤه الراشدون -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وما سار عليه أصحابه البررة -رضي الله عنهم أجمعين-.
فالطريق هو الذي ساروا فيه، وما خالفه فليس بطريق كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: (لن يُصلح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).عباد الله:
إن الفتن إنما تنزل والشبهات والشهوات إنما تُطبِق في الأرض إذا ذهب الله بالعلماء العارفين بكتابه وسنة نبيه --، فهم الذين يُبيِّنون للناس وينصحون لهم، فإذا ذهب العلماء فعلى المسلمين السَّلام.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورّثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).إذا ذهب العلماء نزلت المصائب، وحلَّت الظلماء، وانطمست آثارٌ بيضاء، عياذا بالله من ذلك، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبْقَ عالم..) وفي رواية: (..حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جُهالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).أيها المسلمون:
انظروا إلى قيمة علماء الشَّريعة الصَّادقين النَّاصحين المتمسِّكين بما جاء به رسول رب العالمين -صلوات الله وسلامه عليه-، هذه منزلتهم فاعرفوها لهم -حفظكم الله-، واستنيروا بما يقولونه لكم، وارجعوا إليهم، وميِّزوا بينهم وبين المثقّفين الذين لا يعرفون من الدين إلاأبجديّاته؛ لكنهم مُتحذْلقون مُتمَنْطِقون، فلا يلتبسوا عليكم بأهل العلم الصَّادقين النَّاصحين الواعظين المُرشدين الحريصين على أمة الإسلام الوجلين عليها، فالْتمسوهم بين الناس، وتعرَّفوا عليهم، وارجعوا إليهم، فهم صمَّام أمان بإذن الله في هذه الأمة المباركة الشريفة الكريمة على الله.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، إله الأولين والآخرين، قيُّوم السماوات والأرضين، شهادة أدّخرها عنده يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يُبعثَر ما في القبور ويُحصَّل ما في الصدور، وأُصلّي وأُسلّم على خيرته من خلقه وصفوته وخليله نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى الدين.أما بعد، فيا أيها الناس:
ثبت عن رسول الله -- من طريق عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).أيها المسلمون:
أنتم ترون وتسمعون في هذا الحديث الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أن َّالمخرج حينَ حصول الفُرقة وحين حُصول الاختلاف وحين حصول الشر في آخر الزمان إنما هو فيما وصفه رسول الله -- وهو التمسك بما جاء به وبقيَ عليه وعاش عليه حتى فارق هذه الدنيا -صلوات الله وسلامه عليه- وتبعه عليه أصحابه بدءا بخلفائه الراشدين المهديّين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة أجمعين.
إنَّ الطريق إلى الجنة هو الذ بقيَ عليه أصحاب رسولكم --، فما كان ذلك اليوم دينا فهو الدين اليوم، وما لم يكن ذلك اليوم دينا فلن يكون اليوم دينا.أيها المسلمون:
إننا في هذه الزمن قلَّ فيه العلم الشرعي، قلَّ العلم الموروث عن رسول الله -- وذلك بذهاب العلماء وقلَّتهم في هذا العصر، وكثرة المتحذلقين من السفهاء ومن المتشبِّهين بالعلماء وليسوا هم بعلماء والله.
كثُر الجهل، عمَّ الجهل، قلَّت المعرفة بالسنة، فَشَت أمّيّة لكنها جديدة، أمية ليست كالأمية الأولى، أكثر الناس يقرؤون ويكتبون لكنّ الحظ العلم الشرعي الذي جاء به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قد أضحى قليلا.بل وإن شئتم أن أُقيم لكم شاهدًا لا نختلف أنا وأنتم عليه هو ما ترونه وتسمعونه:
إذا تميَّز الشاب في دراسته فتخرَّج من الثانوية بدرجات عالية متفوقا فيها قيل له: يا بنيّ أقبل على كليات الشريعة وتعلم سنة نبيك -- وتفقَّه في الدين عسى الله أن ينفع بك المسلمين، قال القائلون المشغبون: أبَعْدَ هذه الدرجات يذهب إلى كلية الشريعة! لماذا لا يذهب إلى الهندسة؟ لماذا لا يذهب إلى الصناعة؟ لماذا لا يذهب إلى البترول؟ لماذا لماذا لا يذهب إلى كذا وإلى كذا!
اللهُ أكبر! الله أكبر! هانَ على هؤلاء العلم بدين الله والمعرفة بشرعه فأصبحت لا تساوي شيئا مع ما يُقصَد من عَرَض الدنيا، هذه والله هي المصيبة وهي الانتكاسة في العقول وهي ضحالة الفهم، عافانا الله وإياكم من ذلك.إن الأمة اليوم بحاجة إلى علماء ربانيين صادقين ناصحين صابرين، ناصحين للناس، يهدونهم بدين الله جل وعلا، يُبصّرونهم به من العمى، ويُحيون به من ضلَّ ويُعيدونه إلى طريق الهدى، هؤلاء العلماء هم الذين يحفظ الله بهم الأمم.أيّها الناس:
إنكم في هذا العصر بحاجة ماسة أكثر من أي عصر مضى إلى أن تحثّوا أبناءكم على سلوك طريق العلم الشرعي الذي يستنيرون به ويُنيرون به بإذن الله، ولاسيّما وقد كثُر المضلِّلون للناس في هذه الآونة الأخيرة في هذه القنوات وهذه الوسائل المتعددة، فَضَلَّ كثير من الناس بسبب من تظاهر للناس بأنَّه عالم وليس بعالم.أيها المؤمنون:
أختم كلامي بما أمرنا الله جل وعلا وإياكم به وذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: (من صلّى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا).اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وخصّ منهم الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبو بكر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحب والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الكفر والكافرين، وأذلّ الكفر والكافرين، وأذلّ الكفر والكافرين.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.اهــ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أسأل الله أن يحفظ محمد بن هادي المدخلي
ردحذفأسأل الله أن يحفظ محمد بن هادي المدخلي
ردحذف1
ردحذف