طلاب العلم

طلاب العلم

اعلان

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

أغسطس 02, 2017

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي

«التّعليق على حديث: (أوصيكم بتقوى الله) 1»

لسماحة الشَّيخ العلاَّمة:
صالح بن مُحمَّد اللُّحَيْدَان
حفظه الله تعالى ورعاه، وثبته على الإسلام والسنة، وجزاه عنا خير الجزاء

كلمةٌ ألقاها سماحته بالحرم المكِّي يوم: 10-6-1422هـ
وبعدها تفضل بالإجابة على بعض أسئلة الحاضرين
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها الجميع

لتحميل المادّة الصّوتية برابطٍ مباشرٍ:
(الجزء الأوَّل)

(الجزء الثَّاني)

التَّفريغ:

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على الهادي الأمين سيّدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديهم واتّبع سُنّتهم إلى يوم الدين، وبعد:فقد روى الترمذي وغيره من حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه- أنه قال: (وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا، فقال –عليه الصلاة والسلام-: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار).لا أجدُ ما أوصيكم به ونفسي في أواخر هذه الفترة التي تسبق الدّراسة وتنتهي في هذه الأيَّام ويكاد أن يتفرَّق أكثر من يجتمعون في هذه الأيَّام؛ لا أجد ما أوصيكم به ونفسي إلا ما أوصى به محمد –صلى الله عليه وسلم- أصحابَه حينما سألوه الوصيَّة وأحسُّوا أنَّ موعظته البليغة موعظةُ من يتوقَّع مُفارقتهم فقالوا له: (كأنها موعظة مودِّع فأوصنا)، فأوصاهم بتقوى الله.تقوى الله: أن يخاف المرءُ ربَّه جلّ وعلا؛ أنْ يخافه عن الإقدام فيما يكره الله جلّ وعلا، وأنْ يخاف اللهَ جلّ وعلا في أن يَغفل عمَّا يُحِبّ الله جلّ وعلا من عبده أن لا يغفل عنه، يتّقِي الله في اجتناب المحرَّمات وأداء الواجبات والتّقرّب إلى ربه جلّ وعلا بنوافل الطَّاعات والتّنزّه عن المكروهات والصَّبر عن بعض المباحات ابتغاء مرضاة الله.

أوصاهم بتقوى الله، وأعظم تقوى الله جلّ وعلا: إخلاصُ العبادة له، أن لا يُشرَك به جلّ وعلا؛ لا الشّرك الأكبر ولا الأصغر، أن تَغْلب مخافةُ الله على العبد بحيث كلّما همَّ بأمر فكَّر هل في هذا الأمر ما يكرهه الله جلّ وعلا أو رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ولا يكره الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلا ما يكرهه الله جلّ وعلا.إذا تعقَّب المرء نفسَه وتفقَّد ميولَها ورغباتِها ونظر في إقدامها وإحجامها فدفعها إلى ما يُحِبُّه الله ورسوله وكبح جِماحها عمَّا لا يُحِبُّه الله ورسوله، خاف مقام ربِّه يوم يقوم الناس لربّ العالمين، ﴿
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا، يوم يعضّ النَّادمُ على يديه، يوم يقول المفرِّط ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، لكن هيهات!من رحل عن هذه الدنيا فلا رجوع له، ومن غيَّبته القبور فلا أبواب تُفتح إلا عندما يصيح صائح البعث؛ عندما يُنفخ في الصور فيقوم الناس، ذلك الوقت الذي لا يستطيع أحد أن يُقدّم ولا أن يُؤخِّر.يوصينا نبيُّنا –صلى الله عليه وسلم- ولا أحد أنصح للبشرية منه وما قصَّر –صلوات الله وسلامه عليه-، نصح الأمة وبلَّغ الرّسالة وأدَّى الأمانة وجاهد في الله حقَّ جهاده وبثَّ العلم ونشر النور نور الهداية حتى أشرقت الأرض بنور الإيمان وانفتحت قلوب وأمصارٌ لدعوة الإيمان.فاحرص أيها المسلم؛ فإن وصيَّة محمد –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وصيّةٌ لكل مسلم جاء بعدهم، ووصية للخلق لو يعلمون.يوصينا نبيُّنا –صلى الله عليه وسلم- بتقوى الله والسَّمع والطَّاعة، وهو يعلم –صلى الله عليه وسلم- أنَّ بالسَّمع تستقيم الأمور وتنضبط المسيرة ويعمُرُ الكون في هذه الأرض ويتآخى الناس ويتعاونون ويقوم عَلَم الجهاد.وفي وصيَّته: التحذيرُ من البِدع، والتَّنفير منها، وأنَّها شرّ وبلاء وضلال وعاقبتها النار إلا من لطف الله به فتاب.الدِّين كَمُل قبل وفاة رسول الله، يقول الله: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا.
كمُل الدين وما مات رسول الهدى –صلى الله عليه وسلم- حتى بيَّن للناس الحلال والحرام، وأوضح لهم المعالم وبيَّن لهم الطريق، وتركهم على المحجَّة الجادَّة الواضحة الجليَّة التي بالنسبة للسائر فيها يستوي عنده الليل والنهار لا يخشى ضلالاً ولا مَضْيَعة، وإنما ذلك في حقِّ من خاف الله ونهى النَّفس عن الهوى وذكر الموقف بين يدي المولى جلّ وعلا ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَإِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.(إيَّاكم ومحدثات الأمور) كلّ عمل أُحدِث وكلّ دِعاية ليس لها أصلٌ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإنَّها من محدثات الأمور وهي ضلالةٌ وهي مردودةٌ على أهلها كما جاء في الحديث الصحيح: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ) وفي رواية: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ).من أحدث في الإسلام مناهجَ وطرقًا وعباداتٍ وتحليلا أو تحريما ولم يكن عليه أمرُ محمد –صلى الله عليه وسلم- فهو بدعةٌ وضلالةٌ ومردود على صاحبه، ويا خيْبَة من أراد أن يأتيَ بما لم يأت به محمد –صلى الله عليه وسلم- إذْ أن أمره مردود عليه والخيبة [...] له والضَّلالة مسيره؛ فإنَّ (كل بدعة ضلالة)، وفي رواية: (وكل ضلالة في النار)؛ إلا من لطف الله به فتاب، والتَّائب كمن لا ذنب له؛ فالله يقول: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ، ورسوله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (التائب من الذَّنب كمن لا ذنب له).

يحذر المسلم ضلالات الدّعايات والدّعوات، فإن فيما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- غُنية عن كلّ ما سواه وفيه الخير والهدى، من تمسك به رشد، ومن اكتفى به اكتفى بعظيم، ومن التمس هُدى من غيره ضلَّ ضلالا مبينا، نسأل الله العافية.النّبي –صلوات الله وسلامه عليه- أبلغُ من نَصَحَ وأرأفُ من وَعَظَ وأكملُ نبيّ ورسول بعثه الله للخلق، فكان –صلوات الله وسلامه عليه- يتوخَّى أصحابه يُعلّمهم ويُرشدهم ويعظهم ويُحذّرهم ويَعِدُهم الخيرَ إذا أفلحوا وأطاعوا الله.إنَّ ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- هو المشتملُ على الخير والبركة والسَّعادة والنَّجاة والعزّ في الدنيا والآخرة، لأنَّ من تمسك به صادقا حفظه الله وحماه ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الذِينَ آمَنُوا.

من اتّقى الله جلّ وعلا فأحلَّ حلاله وحرّم حرامه وعمل بما أمر به وانتهى عما نهى عنه وأحبَّ ما يُحبّه الله ورسوله ومن يُحبّهم الله ورسوله فاز بالتَّوفيق والسَّداد، ولا شك أن من محبة الله ومحبة رسوله –صلى الله عليه وسلم- محبّةَ أصحابه –رضي الله عنهم أجمعين- والتّرضّيَ عنهم والرَّغبةَ في الاقتداء بهم والسَّير فيما ساروا عليه، فقد قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).فمن عَمَدَ الهدى فَلْيَعْلم أنَّ الهدى باتّباع محمد –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأنَّ تحصيلَ الدُّخول في الفرقة الناجية من عذاب الله من النَّار إنما هو في اتباع محمد وصحابته –رضي الله عنهم أجمعين- وإعلان الحبّ لهم والتّرضّي عنهم ومعاداة من يُعاديهم وموالاة من يُواليهم، فهم خير هذه الأمة مع نبيّها –صلى الله عليه وسلم-.
حبّهم واتّباعهم تقوى لله جلّ وعلا ومنافاة للبدع، لأنَّ البدع لم تكن من أحد منهم –رضوان الله عليهم-؛ وإنما جاءت البدع من غيرهم وهي ضلالات.أسأل الله جلّ وعلا بأسمائه وصفاته أن يعصمنا جميعا من سلوك طريق الضالين، وأن يُعيذنا من نزغات الشيطان الرجيم، وأن يُبارك لنا فيما أعطانا ووفّقنا له من العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم موافقا سنة نبيّه محمد –صلى الله عليه وسلم-.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم يا حي يا قيوم لا تُفرِّق جمعنا يا حي يا ققيوم من مكاننا هذا إلا بذنبٍ مغفور، وعمل صالح متقبل مبرور، وتوفيق لنا يا إلهنا في مستقبل أمرنا أن لا ننحرف عن الصراط المستقيم يا مجيب الدعاء.
اللهم أعتق رقابنا من النَّار، اللهم إنا نسألك أن تُعتق رقابنا في هذا المكان أجمعين من النار، وأن تُعتق رقاب آبائنا وأمهاتنا وسائر أمواتنا وأحيائنا من النار يا ذا الجلال والإكرام، وأن تُحسِن عاقبتنا، وأن ترحم ضعفنا، وتجبر كسرنا، وتزيح همنا، وتؤتي نفوسنا تقواها، وأن تزكيها أن خير من طهّرها وزكاها أنت ربها ومولاها، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك، سبحانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز دينك، اللهم أعز دينك، وأعلِ كلمتك، وانصر عبادك المسلمين المؤمنين في كل مكان.، اللهم اختم لهم العزة والسلامة.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، اللهم آمنَّا في أوطاننا، واجعل ولاية أمورنا في جميع بلاد الإسلام بيد من يخافك ويرجوك ويتَّقيك ويُحسن إلى عبادك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أزل عن المسلمين في كل بقعة من بقاعهم شرارهم، واستبدلهم بخيارهم، واجعل ذلك يا حي يا قيوم توفيقًا لهم جميعا للعمل بما يُرضيك، لا إله إلا أنت.
اللهم أرنا في أعداء دينك عجائب قدرتك، اللهم يا حي يا قيوم إنك تعلم أن أمة الإسلام في حال من الضَّعة والضَّعف والفُرقة والذّلّة والعجز وتعلم أسبابه يا حي يا قيوم نسألك أن تُزيح أسباب ذلك كله، وأن تجمع كلمتهم على الحق والهدى، وأن تُوفّقهم للأخذ بأسباب القوة وأن تُعاجلهم بالنصر المبين يا رب العالمين، وأن تُرينا في أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأعوانهم وسائر طوائف الكفر والإلحاد أن تُرينا فيهم عجائب قدرتك.
اللهم صُبَّ عليهم العذاب صبا، اللهم زلزل الأرض تحتهم، وأنزل عليهم العذاب من فوقهم، واجعل ذلك يا حي يا قيوم سبب عزّ الإسلام والمسلمين يا مجيب الدعاء، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم أصلح القادة، اللهم أصلح قادة الأمة الإسلامية في كل مكان، اللهم املأ قلوبهم بخوفك، وعظِّم لديهم رجاءك، ووفّقهم للعمل بما يؤدي إلى ذلك يا حي يا قيوم، وخصّ يا إلهنا ومولانا من ولَّيْته أمرنا في هذه البلاد بمزيدٍ من التوفيق والتسديد، اللهم أصلحه وأصلح له ذريته وإخوانه وأعوانه وأهل بلده واجعله هاديا مهديا.
اللهم أعزّ به دينك، وارفع به شأن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وحبِّب إليه كل خير وجنِّبه كل شر، ووفّقه يا إلهنا لمضاعفة العمل في سبيل ما يرفع شأن هذه الأمة ويُعلي قدرها ويُباعدها عن مساخطك يا حي يا قيوم.
اللهم احفظ به أمن البلاد، وأمِّن به السُّبُل، وصُن به الحدود، وانشر به العدل والفضل يا حيّ يا قيُّوم، وأكثر من أعوانه على الخير والتقى والهدى، إنك مجيب الدعاء.
سبحانك لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.اهـ

فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
25 / شَّوال / 1438هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين